تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السؤال
ما هو الصواب فيما لو سئل أحدنا عن بعض أهل البدع ، أو سئل عن كتبهم ، هل يشنع عليه ، ويذكر ما عنده من الأخطاء ؟ أو يذكر محاسنه ومساوئه ؟ رفع الله درجتكم .
الاجابة

 أهل البدع هم الذين يعملون بالبدع ، أو يدعون إليها ، والبدعة هي المحدثات في الدين ، قد تكون من جهة الاعتقاد ، وقد تكون من جهة العمل ، والمبتدعة حذر منهم النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث كثيرة, فقال – عليه الصلاة والسلام – : « أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسكوا بها ، وَعَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » ([1]).

وقال – عليه الصلاة والسلام – : « فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ »([2]) . وفي آية الأنعام قال – جل وعلا – ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : 159 ] .

قال أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم : الذين فرقوا دينهم هم أهل البدع . فالذين أحدثوا المحدثات في الاعتقادات ، أو في الأعمال ولازموها ، يُطلق عليهم أصحاب البدع ، والواحد منهم مبتدع .

وهديُ السلّف في هؤلاء : ألا يجالَسوا ، وأن يُحذَّر منهم ، ومن مقالاتهم ، ومن أعمالهم ، ولا يُثنَى عليهم ، إذا المقام مقام رد عليهم ، لأن الثناء على المبتدع بين العامة إغراء باتباعه وهو صاحب بدعة ، فإذا أثنيت عليه دللت الناس على بدعته ، والمبتدعة في الجملة الحال معهم يكثر الخلط فيه في هذا الزمن ، من الثناء عليهم ، أو من ذكر المحاسن والمساوئ ونحو ذلك .

ومقام أهل العلم مع أهل البدع على حالتين : إما أن يكون مقام رد عليهم ، أو مقام تحذير منهم ، فهذا لا يناسب الثناء عليهم ، والمبتدع لا يستحق الثناء أصلًا ، فإذا كان المقام مقام ردود ، ومقام تحذير ، فلا يجوز الثناء على مبتدع ، ولا من سلك سبيله ، وأما إذا كان المقام مقام تقييم له ، ليس ردًّا عليه ، فإن أهل العلم يذكرون ما له من الخير ، وما عليه من الشر ، بإجمال دون تفصيل ، وذلك مثل ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله – بعض محاسن المعتزلة ، حيث ردوا على اليهود والنصارى ، وعلى طائفة الدهرية ، وعلى كثير من طوائف الضلال من غير هذه الأمة .

كما أثنى على الأشاعرة مرة ، بردهم على المعتزلة ، لكن إذا رد على المعتزلة سامهم ما يستحقون ، ولم يُثْن عليهم البتة .

فتجد أنه في هذا الوقت قد خلط كثير الناس بين المقامين : مقام الرد والتحذير ، ومقام الموازنة ، فمقام التقييم هذا يكون على وجه الإجمال ، وأيضًا على قلة ، ومقام الرد هو الذي ينفع العامة ، فهذا هو الذي لا يجوز أن يثني على مبتدع ، وقد قال رافع بن أشرس فيما رواه ابن أبي الدنيا ([3]) والخطيب في الكفاية ([4]) وغيرهما قال : إِنَّ مِنْ عُقُوبَةِ الْكَذَّابِ أَنْ لَا يُقْبَلَ صِدْقُهُ, قَالَ : وَأَنَا أَقُولُ : وَمِنْ عُقُوبَةِ الْفَاسِقِ الْمُبْتَدِعِ أَنْ لَا تُذْكَرَ مَحَاسِنُهُ . يعني لأجل ألا يقتدي الناس به .

إذا تقرر هذا فتبقى قاعدة المسألة ، وهي أنه لا يَحكم على معين بالبدعة إلا أهل العلم الراسخون ، فليس الحكم بالبدع لعامة الناس ، أو لعامة طلبة العلم ، إنما هو لأهل العلم الراسخين .

فإذا أثبت أهل العلم الراسخون أن فلانًا مبتدع ، فإنه ينطبق عليه أحكام المبتدعة الذين ذكرنا ، والكلام المجمل ربما سار في غير المعين ، أو على الطوائف والفئات ، بغير تعيين .

أما إذا أتى الكلام بالتعيين ، صار المقام أصعب ، لأن في ذلك حُكمًا ، والأحكام مرجعها العلماء ، والناس في هذه المسألة بين طرفين ، وطريقة أهل العلم وسط فيما بين الطرفين ، والله أعلم .

__________________________________

 ( [1] ) أخرجه أحمد ( 4 / 126 ، رقم 17184 ) ، وأبو داود ( 4 / 200 ، رقم 4607 ) ، والترمذي ( 5 / 44 ، رقم 2676 ) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه ( 1 / 15 ، رقم 42 ) . وصححه الألباني في المشكاة 165 .

 ( [2] ) أخرجه أحمد ( 6 / 48 ، رقم 24256 ) ، والبخاري ( 4 / 1655 ، رقم 4273 ) ، ومسلم ( 4 / 2053 ، رقم 2665 )

 ( [3] ) في الصمت 549 .

 ( [4] ) الكفاية صـ 117 .

تغريدات الموقع